الأرجواني: تاريخ اللون الملكي

single

إيلي سبور

ترجمة: بشاير عبدالرحمن



 من صبغة الفينيقيين القديمة، حيث استُخرجت ألوان الملوك من أعماق البحر، إلى رمزيته العميقة التي تزين فنون العصور الوسطى وعصر النهضة، ظل اللون الأرجواني منذ عام 975 ميلادي يحمل في طياته هالة من الجلال والسلطة. لكن، هل تساءلنا يومًا عن تركيبة هذا اللون وتاريخه؟

بعيدًا عن دلالاته التاريخية العريقة، يحمل اللون الأرجواني معانٍ نفسية وروحية عميقة. إنه رمز للملوكية والإبداع، وسرٌ من أسرار التنوير. في الماضي، كان الأرجواني مقتصرًا على نخبة الحكام وأبناء الأسر المالكة، إلا أن الثورة التي شهدها القرن التاسع عشر مع اكتشاف الأصباغ الاصطناعية، حرّرت هذا اللون من قيوده التقليدية، ليصبح في متناول الجميع. وقد ساهم ذلك في تعزيز التعبير الفني، مما دفع الحركات الثقافية، وعلى رأسها الانطباعية، إلى تبني الأرجواني كأداة للتجديد والتجريب.

 

علم الألوان

 لنبدأ بسؤال بسيط كيف نرى اللون الأرجواني أصلًا؟ الإجابة تكمن في تناغم بين فيزياء الضوء وآليات إدراكنا البصري. على الرغم من أن اللون البنفسجي يقع بالقرب من الأشعة فوق البنفسجية، مشعًا وحيويًا، بينما اللون الأحمر في الطرف المقابل من الطيف حيث الطاقة أقل، إلا أن الأرجواني لا ينتمي إلى هذا التدرج الطيفي. فالأرجواني، بمزيجه بين الأحمر والأزرق، يشكل لونًا مركبًا لا يمتلك طول موجي محدد، بل هو محصلة تفاعل أطوال موجية مختلفة، وهو ما يجعله لونًا غريبًا، لا ينتمي تمامًا إلى الطيف الطبيعي.

ورغم كونه لا ينتمي إلى الطيف التقليدي، إلا أن عيوننا قادرة على إدراكه بفضل البنية المعقدة لأجهزتنا البصرية، وخاصة المخاريط الموجودة في شبكية العين. فإدراك الألوان، في جوهره، هو عملية عقلية محضة، حيث يعيد الدماغ بناء الإشارات القادمة من أطوال موجية متعددة، ليمنحنا هذا الطيف الزاهي الذي نراه ونحس به.

الفرق بين البنفسجي (Violet) والأرجواني (Purple)

التفريق بين اللونين البنفسجي والأرجواني خطوة أساسية لفهم كيفية إدراكنا للألوان. ورغم أن كلاهما يتراوح بين الأحمر والأزرق على عجلة الألوان، فإن هناك اختلافًا جوهريًا في طبيعتهما. الأرجواني يميل أكثر إلى الأحمر، بينما يقترب البنفسجي من الأزرق، مما يخلق لهما هويتين بصريتين مميزتين.

البنفسجي هو لون طيفي حقيقي. له مكانه الثابت في طيف الضوء كما حدده إسحاق نيوتن عام 1672، ويُميز هذا اللون طوله الموجي الخاص به الذي يجعله جزءًا من الطيف المرئي المعروف. أما الأرجواني، فليس له طول موجي منفصل؛ بل هو مزيج فني من الأحمر والأزرق، يجمع بين قوة الأول وهدوء الثاني ليخلق تدرجًا غنيًا ومتوازنًا.

ومن الغريب أنه عند رؤية قوس قزح، نعتقد أننا نرى اللون الأرجواني، ولكن في الحقيقة، هو أقرب إلى البنفسجي. لكن أدمغتنا تفسره على أنه أرجواني بفضل تنشيط مستقبلات اللونين الأحمر والأزرق في العين، بينما لا تُحفّز المستقبلات الخاصة باللون الأخضر. لذا، يمكننا اعتبار الأرجواني تركيبًا ذهنيًا ناتجًا عن معالجة بصرية معقدة، بينما يبقى البنفسجي محتفظًا بهويته الطيفية المستقلة، حتى حين يُدمج مع الأزرق ليعكس تدرجًا بديعًا من الأرجواني.

 

 

 

 

 

1420237066.png.webp

سوار أوسكار هيمان من الياقوت الوردي والأرجواني، وزن 42.25 قيراط

 

الأصول القديمة

على مر العصور، تبوّأت الأصباغ الأرجوانية مكانة مرموقة، إذ كانت تجسيدًا للجمال والسلطة، ورمزًا للرفعة والمجد. تاريخها يمتد إلى ما قبل فجر الحضارة، حيث دلت أولى آثار استخدامها في العصر الحجري الحديث على مدى تطور الوعي البشري. في ذلك الزمن البعيد، استخدم الفنانون أسلافنا مسحوق المنغنيز والهيماتيت لإبداع رسومات جدارية على جدران الكهوف، كما في موقع كهف بيتش ميرل في فرنسا، حيث تجسدت صور الحيوانات وبصمات الأيدي البشرية بألوان أرجوانية داكنة، تروي قصة الإنسان القديم وعلاقته بالبيئة.

أما "الأرجواني صور"، الذي يُعرف أيضًا بالأرجواني الملكي أو الإمبراطوري، فقد سُمّي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة صور الفينيقية، التي تقع في لبنان حاليًا. ويعد هذا اللون النادر بصفته صبغة طبيعية تميل إلى الحمرة، من أغلى وأندر الأصباغ التي عرفها الإنسان. تُستخرج هذه الصبغة من أنواع متعددة من القواقع البحرية، التي تنتمي إلى فصيلة Muricidae.

عندما تتعرض هذه القواقع للهجوم، تفرز غددها مخاطًا يحتوي على المادة الصبغية التي تُستعمل لإنتاج اللون الأرجواني المميز. استخراج هذه الصبغة يتم بطريقتين: إما عبر "حلب" القواقع بشكل مدروس ومستدام، أو عن طريق سحقها تمامًا لاستخراج المادة بشكل أسرع، لكنها عملية مدمّرة. على الرغم من هذه الطرق المعقدة، فإن الكمية الناتجة تبقى ضئيلة للغاية. إذ يتطلب الأمر نحو اثني عشر ألف حلزون من نوع Murex brandaris لإنتاج ما يكفي لتلوين حافة ثوب واحد، كما في القطعة الرائعة المعروضة أدناه، التي تعكس بريق هذا اللون الملكي العريق، الذي تميز به الملوك والنبلاء عبر العصور.

1570427387.png.webp

سيثيريس، للفنان جون ويليام غودوارد، 1922

يرجع تاريخ إنتاج أرجواني صور إلى الأزمنة القديمة، حيث كان الفينيقيون أول من أتقن استخراجه من مخاط القواقع البحرية، وذلك نحو عام 1200 قبل الميلاد. وقد استمر استخدام هذه الصبغة الثمينة عبر العصور، من اليونان القديمة إلى الإمبراطورية الرومانية، وصولًا إلى سقوط القسطنطينية في عام 1453 ميلاديًا.

لقد كانت هذه الصبغة محل تقدير بالغ لقوة ثباتها وسطوع لونها، حتى غدت رمزًا للسلطة والثراء. وكانت الأقمشة المصبوغة بأرجواني صور تعد من مظاهر الترف والنفوذ، فلا يرتديها إلا أفراد الطبقة العليا، لتصبح علامة مميزة للمقام الرفيع والمكانة الرفيعة.

 

764787282.png.webp

قماش مصبوغ بالأرجواني إلى جانب نوع القوقع البحري المستخرج منه. من معروضات متحف التاريخ الطبيعي في فيينا.

 

في القرن الرابع قبل الميلاد، بلغت قيمة الصبغة الأرجوانية حدًّا جعل وزنها يعادل الفضة، فغدت رمزًا لا يُضاهى للترف والسلطة. ترسّخ ارتباط هذا اللون بالمُلك حتى سنَّت روما قوانين تقيّد استعماله على الإمبراطور وأرفع رجالات الدولة. فكان كبار القضاة يرتدون "التوجا بريتيكستا"، وهي رداء تحيطه حافة من أرجواني صور، بينما خُصّصت "التوجا بيكتا" — رداء من أرجواني صور الخالص مطرّز بخيوط من الذهب — للجنرالات في لحظات النصر. وبحلول القرن الرابع الميلادي، أصبح ارتداء أرجواني صور امتيازًا حصريًا للإمبراطور وحده، مما رسّخ مكانته كرمز للهيبة الإمبراطورية.

وفي العهد البيزنطي، أُحكمت السيطرة على إنتاج هذه الصبغة وأصبح تحت رعاية البلاط الإمبراطوري، مما زاد من ندرتها وقيمتها. كان الأباطرة يلفّون أنفسهم بأثواب أرجوانية فخمة، ويوقّعون مراسيمهم بالحبر الأرجواني، فيما لُقّب أبناؤهم بـ"المولودين في الأرجوان"، في إشارة إلى سلالتهم الملكية. حتى ولادة هؤلاء الأمراء كانت تتم في "الغرفة الأرجوانية"، التي كانت مكسوّة بحجر البورفيري المصري، ليقترن اللون بالجلالة منذ اللحظة الأولى للحياة.

ومثلما كانت الصبغة محل احتكار، كان حجر البورفيري المصري — أو الإمبراطوري — موردًا نادرًا يخضع لرقابة مشددة. هذا الحجر شديد الصلابة، الذي اتسم بلونه الأرجواني الداكن كالنبيذ، استُخرج من موقع واحد فقط في مصر، واعتُبر تجسيدًا ملموسًا للثروة والعظمة الإمبراطورية. وقد عزّز لونه، المتناغم مع أرجواني صور، مكانته كأحد أكثر المواد هيبة ونفوذًا في فنون الحكم والسلطة.

 

رمزية العصور الوسطى وعصر النهضة

ابتكر فنانو العصور الوسطى درجات اللون الأرجواني عبر مزج أصباغ زرقاء وحمراء، كالأزوريت أو اللازورد الأزرق، مع المغرة الحمراء أو الزنجفر أو المينيوم. كما كانوا يمزجون الأصباغ بمساحيق ملوّنة، مستخدمين صبغة الواد أو النيلي لإنتاج الأزرق، والقرمز لاستخلاص الأحمر. وأفضت هذه الطرق الدقيقة والمعقدة إلى إنتاج طلاء أرجواني غني، شكّل عنصرًا بارزًا في الفنون التصويرية لتلك الحقبة.

في فنون العصور الوسطى وعصر النهضة، اقترن اللون الأرجواني برمزية الجلال والنِعمة السماوية. ومع عودة الاهتمام بالمُثل الكلاسيكية والتقاليد الرومانية، ولا سيما الأرجوان الملكي، أقبل فنانو النهضة على هذا اللون بشغف خاص. فكثيرًا ما رُسمت الشخصيات الدينية، مما عزز من ارتباط اللون الأرجواني بالدلالة الروحية والعناية الإلهية.

وامتد استخدام الأرجواني والبنفسجي إلى عدد من الأعمال الدينية في عصر النهضة، حيث أُضفيت هذه الألوان على ملابس الملائكة والسيدة العذراء مريم، تأكيدًا على طابعهم السماوي المقدّس. إذ يُجسّد انتماءها إلى نسل الملك داوود، في إحالة واضحة إلى إرثها الملوكي.

في المخطوطات المزخرفة في تلك الحقبة، كان اللون الأرجواني يتألق في عناوين الصفحات الكاملة أو الصفحات الافتتاحية، وغالبًا ما كان يُرافقه نصوص مكتوبة بالذهب أو الفضة. وفي حين استخدمت بعض المخطوطات خلفيات أرجوانية مصبوغة أو مطلية بالرق، كان بعضها الآخر يعتمد على الأرجواني المستخرج من مصادر طبيعية مثل الأورشيل. ومن الجدير بالذكر أن الثياب الأرجوانية كانت تُخصص لكبار رجال الدين في التقاليد الكاثوليكية والأرثوذكسية، حيث كانت تمثل رمزًا لسلطتهم وارتباطهم الروحاني.

 

العصر الحديث

دخل اللون الأرجواني عالم المواد الاصطناعية في عام 1856 بطريقة غير متوقعة. في ذلك العام، كان الشاب الكيميائي ويليام هنري بيركين يعمل على تجربة علمية تهدف إلى تصنيع الكينين، المركب الذي كان يُستخدم لعلاج الملاريا، والذي كان ذا أهمية كبيرة في مكافحة هذه الآفة المنتشرة في الأراضي التابعة للمملكة البريطانية آنذاك. ولكن، أثناء محاولاته لأكسدة الأنيلين، حدث تفاعل عضوي بدا فاشلًا، وتكوّن راسب أسود داخل الأداة الزجاجية. وعندما حاول بيركين تنظيف الإناء باستخدام الكحول، اكتشف بشكل مفاجئ أن بقايا من اللون الأرجواني الزاهي قد التصقت على سطح الزجاج.

وكان هذا الاكتشاف العارض هو بداية لظهور "الموفين"، أول صبغة صناعية في العالم. سجل بيركين براءة اختراعه في أغسطس 1856، ليحدث بذلك تحولًا كبيرًا في صناعة الأصباغ. فقد قدم "الموف" بديلاً صناعيًا وفعّالًا اقتصاديًا عن الأصباغ الطبيعية التي كانت تُستخرج من النباتات والرخويات، وهي عملية شاقة ومكلفة للغاية. ورغم أن هذه الصبغة سُميت في البداية "أرجواني الأنيلين"، إلا أن اسمها الراسخ "الموف" جاء مشتقًا من الكلمة الفرنسية "mauve" التي تعني زهرة الخبيزة.

لم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن يشهد العالم تحوّلاً صناعيًا حقيقيًا، إذ ألهم اكتشاف بيركين قيام 28 مصنعًا لصناعة الأصباغ في غضون خمس سنوات فقط، مما أدى إلى ثورة في صناعة النسيج وأثر بشكل جذري على الاقتصاد العالمي. لقد أسهم هذا الاكتشاف في خلق عصر جديد من التصنيع، حيث أصبح اللون البنفسجي رمزًا للحداثة والابتكار.

وفي عام 1859، وفي خطوة أخرى نحو الإبداع، نجح الكيميائي الفرنسي سالفيتات في تصنيع "البنفسج الكوبالتي"، أول صبغة بنفسجية حقيقية، رغم أنها احتوت على زرنيخات الكوبالت السامة، مما أثار بعض القلق بشأن سلامتها. لكن في عام 1868، ظهرت صبغة "البنفسج المنغنيزي"، التي قدمت لونًا أكثر إشراقًا وأمانًا، ليعزز من سحر هذا اللون الأيقوني.

وقد أسهمت هذه التطورات في تغيير وجه الفن والصناعة معًا. فقد أصبح اللون البنفسجي، وخاصة "الموف" و"البنفسج المنغنيزي"، جزءًا لا يتجزأ من اللوحات الفنية البارزة، مثل سلسلة "كاتدرائية روان" لكلود مونيه، حيث أضاف البنفسج المنغنيزي بريقًا وسط الظلال والتفاصيل الدقيقة. كما شهد اللون البنفسجي إقبالًا كبيرًا في عالم الموضة والجمال، حيث أصبح جزءًا من مستحضرات التجميل، من أحمر الشفاه إلى ظلال العيون، محققًا شهرة واسعة في عالم الأناقة.

وبذلك، يُعد اكتشاف اللون البنفسجي الاصطناعي، الذي بدأ كحادثة كيميائية غير متوقعة، نقطة تحول محورية في تاريخ الألوان، حيث فتح المجال لظهور عصر صناعي جديد، لا يتوقف عن التطور ليظل هذا اللون رمزًا للجمال، الفخامة، والإبداع.

وقد قال مونيه ذات مرة: "لقد اكتشفتُ أخيرًا اللون الحقيقي للجو. إنه بنفسجي. الهواء الطلق بنفسجي. [...] بعد ثلاث سنوات من الآن، سيرتدي الجميع اللون الأرجواني!"

monet005.jpg.webp

مجلس البرلمان، تأثير ضوء الشمس، كلود مونيه، 1903


 أدى شغف الفنانين الانطباعيين باللون الأرجواني إلى ظهور مصطلحات جديدة تُعبّر عن التأثير الكبير لهذا اللون، مثل "هوس البنفسج" و"هوس النيلة". في عام 1859، وصفت مجلة "بانش" لندن بأنها مصابة بـ"حصبة البنفسج"، إشارة إلى الانتشار السريع والشغف الكبير الذي تسببه الاكتشافات الحديثة للألوان، لا سيما الاكتشاف غير المقصود لبيركين.

إلى جانب ظهور هذه الأصباغ الجديدة، كان لتسويق علب الطلاء دور كبير في تغيير طريقة تطبيق الألوان في عالم الفن. قبل عام 1841، كان الفنانون يعتمدون على حاويات تقليدية مثل مثانات الخنازير المربوطة بخيوط لنقل الطلاء. كانت هذه المثانات، التي تحتوي كل منها على لون واحد فقط، تتطلب ثقبًا للوصول إلى الطلاء، وكان يجب استخدامها فورًا نظرًا لعدم إمكانية إغلاقها بإحكام. إضافة إلى ذلك، كانت ثقيلة وصعبة النقل، مما جعل الوصول إلى مجموعة متنوعة من الألوان أمرًا معقدًا للفنانين.

لكن مع ابتكار جون راند لعلب الطلاء القصديرية في عام 1841، تغيرت قواعد اللعبة تمامًا. أصبحت علب الطلاء القصديرية طريقة عملية وفعّالة لتخزين ونقل مجموعة واسعة من الألوان، مما سمح للفنانين بالعمل في الهواء الطلق وإنجاز أعمالهم في جلسات أقصر. كانت هذه العلب، التي تتميز بأسعارها المعقولة وسهولة استخدامها، محط إعجاب العديد من الفنانين البارزين مثل بيير أوغست رينوار، الذي اعتبرها أساسية في ظهور الحركة الانطباعية.

 

1501597905.png.webp

على ضفاف النهر، بيير أوغست رينوار، 1896.

 

المعاني الثقافية والنفسية

يُعد اللون البنفسجي من الألوان التي تنبض بالحياة وتُثير في النفس الكثير من المعاني، فهو لا يقتصر على كونه مجرد مزيج بين الأزرق والأحمر، بل يحمل في طياته دلالات عميقة تتنقل بين مجالي الفيزياء والروحانية. يرمز البنفسجي إلى الاستقرار الذي يعكسه الأزرق، والطاقة المتجددة التي يُضفيها الأحمر، ليشكل بذلك لونًا يجسد التوازن بين العمق والحيوية. إنه رمز للملوكية والرفاهية، للنبل والقوة، والطموح. كما يعبر عن الإبداع، والبذخ، والكرامة، والعظمة، فضلاً عن الاستقلال والفخر، والسلام، والغموض، والسحر.

لقد احتضنت الحركات الاجتماعية الكبرى، مثل حركة المطالبة بحقوق المرأة في التصويت، اللون البنفسجي كرمز للشرف والشجاعة في السياقات العسكرية. ومع ارتباطه بالملوكية، أضفى عليه هالة من الرقي والتميّز، بينما ارتبط في السياق الروحي بالوعي العالي والتنوير، لاسيما في التقاليد الهندوسية والبوذية، حيث يُعتبر اللون الأرجواني جزءًا من شاكرا التاج، التي تمثل أساسًا للنمو الروحي.

تشير المراجع التوراتية إلى اللون الأرجواني كرمز للملكية والثروة، مما يعزز مكانته كرمز تاريخي مرموق. وما يُثير الاهتمام أن التصورات القديمة للون الأرجواني كانت تميل إلى درجات الأحمر الداكن، مما يزيد من ارتباطه بالدم والتضحية والتطهير، كما يظهر في إشارات شكسبير إلى "الأيدي الأرجوانية" لقتلة قيصر.

من زاوية علم نفس الألوان، تشير الدراسات إلى أن اللون الأرجواني يعزز التوازن بين العقل والعواطف، مما يُسهم في تحسين الصحة العقلية وراحة البال. كما يربط بين العوالم الروحية والجسدية، وبين الفكر والعمل. في الرسم الصيني، يُعتبر اللون البنفسجي رمزًا للوحدة التي تتجاوز ثنائية الين واليانغ، مما يعكس الانسجام الكامل للكون.

خلال ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، أصبح اللون الأرجواني رمزًا لحركات الثقافة المضادة، وأخذ تأثيره الواضح في الموسيقى. فقد اشتهر جيمي هندريكس في الولايات المتحدة بأغنيته "بيربل هيز" عام 1967، بينما كانت فرقة "ديب بيربل" الإنجليزية، التي تأسست عام 1968، واحدة من أبرز فرق الروك التي تبنّت هذا اللون. واستمر تأثيره الثقافي في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان له حضور بارز في أغنية وألبوم "بيربل رين" (1984) للمغني برنس.

243799219.png.webp

مزهرية لويتز لافا. حوالي عام 1900.

 

درجات اللون الأرجواني

يتوافر اللون الأرجواني بمجموعة من الدرجات والألوان المتنوعة التي تتمتع بشهرة مماثلة للبنفسجي نفسه، مثل الخزامى، والبرقوق، والبنفسجي، والفوشيا، والأرجواني، والنيلي، والشوك، والأوركيد. العديد من هذه الدرجات مستوحاة من الطبيعة، وخاصة الزهور، حيث يبرز اللون في أبهى صوره.

1331166784.png.webp

باقة من الزهور والفواكه أمام نافذة في باريس، مارك شاغال، 1965

تختلف تسمية اللون الأرجواني بحسب عوامل مثل النموذج اللوني والسياق الثقافي والجغرافي. على سبيل المثال، يُسمّي العديد من الناطقين بالإنجليزية في الولايات المتحدة اللون الذي يهيمن عليه الأزرق "أرجواني"، بينما يطلق عليه البعض في المملكة المتحدة اسم "بنفسجي".

مع مطلع القرن الحادي والعشرين، أحدثت التكنولوجيا الرقمية تحولًا جذريًا في تمثيل الألوان، لا سيما عبر الشاشات. أدى دمج الألوان الضوئية (المضافة) إلى ابتكار الأرجواني الكهربائي (Electric Purple)، وهو لون أكثر نقاءً وسطوعًا من الأصباغ التقليدية. يقع هذا اللون تحديدًا بين البنفسجي والأرجواني، ويُعد أنقى وألمع درجات الأرجواني التي يمكن إنتاجها رقميًا.

ومنذ عام 2001، أصبح يُستخدم مصطلح "ماردي غرا" (Mardi Gras Purple) للدلالة على لون أرجواني محمّر زاهٍ، ارتبط ارتباطًا وثيقًا بمهرجانات الكرنفال والاحتفالات الشعبية.

في استكشاف تاريخ اللون الأرجواني العريق، تتجلى جاذبيته كمزيج ساحر من الإنجازات العلمية، والدلالات الثقافية، والتعبير الفني. درجاته المتنوعة توفر إمكانيات لا حدود لها للإبداع، وجوهره الساحر يتجاوز الزمن ليأسر الخيال بسحره الغامض.

المنشورات ذات الصلة

featured
Sart
Sart
·17-12-2023

نظرية الألوان في الفن

featured
Sart
Sart
·23-01-2024

ما الغاية من الفن؟

featured
Sart
Sart
·21-04-2024

لماذا تُعد لوحات مونيه لزنابق الماء أيقونية للغاية

featured
Sart
Sart
·25-04-2024

هاسوي كاواسي: الفنان الذي ألهم استوديو جيبلي